أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة: “حقوق الطفل في الإسلام” ، للدكتور خالد بدير

خطبة الجمعة القادمة: حقوق الطفل في الإسلام ، للدكتور خالد بدير بتاريخ 10 جمادى الأولى 1437هـ – 19 فبراير 2016م.

 

لتحميل الخطبة بصيغة word  أضغط هنا.

لتحميل الخطبة بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

 

ولقراءة الخطبة كما يلي:

خطبة بعنوان: حقوق الطفل في الإسلام

 

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: أولادنا بين النعمة والنقمة

العنصر الثاني: حقوق الطفل قبل ولادته

العنصر الثالث: حقوق الطفل عند ولادته.

العنصر الرابع: حقوق الطفل بعد فطامه

العنصر الخامس: المسئولية عن الأولاد أمام الله يوم القيامة

المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: أولادنا بين النعمة والنقمة

عباد الله: إن نعمة الولد من أجل وأفضل وأرفع النعم فيه هذه الحياة؛ ولا يعرف قيمة هذه النعمة إلا من فقدها واكتوى بنار فقدها؛ ودفع الغالي والثمين من أجل الحصول عليها!!

وتكتمل فرحة الإنسان بهذه النعمة إذا نشَّأ أولاده على تعاليم الدين الصحيح؛ ورباهم تربية إيمانية سليمة؛ فيكونوا قرة عين له في حياته؛ وفي موازين حسناته في آخرته؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ؛ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ؛ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ” (رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة).

أما إذا أهمل الأبوان في تربية أولادهم؛ وتركوا لهم الحبل على الغارب فلم يعلموهم أو يبينوا لهم الحلال من الحرام؛ فإن الأولاد في هذه الحال يكونون نقمة!!

يقول الإمام الغزالي رحمه الله في رسالته أنجع الرسائل: «الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعلمه؛ نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدِّب، وإن عوِّد الشر وأُهْمِلَ إهمال البهائم؛ شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه والوالي له».

فأولادكم أمانة في أيديكم وستسألون عنهم فماذا أنتم قائلون؟!!!

أيها المسلمون: إن الأولاد اختبار للإنسان كبقية النعم؛ قال تعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ } قال ابن كثير :” أي: اختبار وامتحان منه لكم؛ إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه فيها، أو تشتغلون بها عنه، وتعتاضون بها منه؟” ( تفسير ابن كثير ).

ذلك أن نعمة الذرية لا تكتمل إلا بصلاحها؛ وقصة الخضر مع سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف، عندما لقيا الغلام العاق الكافر، فقتله الخضر، فاستنكر ذلك موسى عليه السلام، قائلاً: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف:74] . ويـوضح القرآن سبب القتل فيقول: { وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا } [الكهف: 80 ـ 81] ، ذلك أن نعمة الولد تنقلب إلى نقمة على والديه إذا كان عاصياً لله، عاقاً لهما؛ كما تلفتنا الآية الثانية إلى أن الأمر بقتل الولد العاق الذي نفّذه الخضر كان بوحي من الله.

ولقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأولاد يولدون فطرة نقية بيضاء وللأبوين دورٌ كبيرٌ في جعلهم نعمةً أو نقمةً !! فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ؛ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ؛ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟! ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ{ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ }(متفق عليه).

فالولد الصالح البار يكون قرة عين لوالديه في حياتهما؛ ورصيد حسنات جارٍ لهما بعد مماتهما, والولد العاق الضال – والعياذ بالله – يكون سبباً لشقاء والديه في حياتهما؛ وربما يمتد ذلك لهما بعد الممات بدعوات الناس على المؤذي وعلى والديه.

العنصر الثاني: حقوق الطفل قبل ولادته

عباد الله: هناك عدة حقوق للأطفال في الإسلام، وقد جمعها ولخصها سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقد ” جاءه رجل يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد وابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ( أي القرآن )، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً ( أي خنفساء )، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً 0 فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ؟! ” ( تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان).

ومن خلال أثر سيدنا عمر وغيرها من الآثار والأحاديث نستخلص حقوق الولد على والديه؛ والتي هي عامل رئيس في التنشئة السوية وتتمثل في مراحل ثلاثة؛ قبل ولادته؛ وعند ولادته؛ وبعد فطامه؛ ونبدأ بالمرحلة الأولي وهي: حقوق الطفل قبل ولادته وتتلخص فيما يلي:-

الحق الأول: اختيار الزوجين على أساس الدين.

 فيجب اختيار الزوجة صاحبة الدين والخلق؛ لأنها مضنة الولد الصالح لتكون أمّاً مربية تقية طاهرة عفيفة، تعين أبناءها على التربية الصالحة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ “( متفق عليه)، ومن هنا يرى علماء التربية أن دور الأم في تربية الطفل يسبق دور الأب، وذلك لكثرة ملازمتها للطفل منذ تكوينه جنيناً في بطنها حتى يكبر. وصدق الشاعر حافظ إبراهيم إذ يقول:

الأم مدرسة إذا أعددتها ……………… أعددت شعباً طيب الأعراق

وكما اهتم الإسلام باختيار الزوجة؛ فكذلك حث على اختيار الزوج صاحب الدين والخلق؛ فعَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ؛ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟! قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.” ( الترمذي بسند حسن) .

 فقد قدَّمَ الرسول  صلى الله عليه وسلم  اختيار الزوجين على أساس الدين على كل مسوِّغات الاختيار الأخرى؛ وذلك لأن الاختيار على أساس الدين من أهم ما يحقق للزوجين سعادتهما الكاملة المطمئنة؛ ويحقق للأولاد الظروف التربوية المستقرة لتربية فاضلة ينعم فيها الأولاد بالطمأنينة والأمان الاجتماعيين، ويتحقق لأسرتهم الشرف الثابت والاستقرار المنشود.

 الحق الثاني: إتباع السنة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد الصالح.

وذلك بذكر الأدعية التي تحصن المولود – وهو نطفة – من الشيطان الرجيم عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ” (البخاري)، وهذا حقٌ وجانبٌ من جوانب التربية الروحية المبكرة للطفل قبل ولادته.

الحق الثالث: حق الطفل في الحفاظ على حياته وصحته جنيناً :

فقد حافظ الشرع الشريف على حياة الطفل وصحته جنيناً ، وتظهر هذه المحافظة في كل تشريعات الشرع في مجال الطفل والطفولة.

وقد أخذ الحفاظ على حياة الجنين في الإسلام صوراً عدة منها: اتفاق فقهاء المسلمين على أن حياة الجنين محفوظة ويحرم المساس بها، وذلك لأنهم اتفقوا على أن إسقاط الجنين وإجهاض الحامل في جنين بعد نفخ الروح فيه حرام، ولو كان هذا الإسقاط أو الإجهاض باتفاق الزوجين؛ لأن هذا الإجهاض والإسقاط قتل للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فيدخل الإجهاض للأم في التحريم الوارد في قوله تعالى : {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ }(الأنعام: 151).

وهذه صورة ثانية من صور الحفاظ على الجنين أن منع الإسلام كل أذى يصل لأمه أثناء حملها فيه؛ فمنع إيقاع العقوبة عليها التي تودي بحياتها أثناء الحمل، فقد أرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على الغامدية حتى تلد. وما كان ذلك إلا حفاظاً على حق العناية بالجنين أثناء حمله.

وصورة ثالثة من صور الحفاظ على الجنين أجاز الفقه الإسلامي – رعاية للجنين وأمه – للأم الحامل أن تفطر في رمضان إذا كان الحمل يضعفها ويؤثر على صحتها ويلحق الضرر بها؛ وذلك لحرص الإسلام على سلامة الجنين وتغذيته تغذية جيدة.

 الحق الرابع: حق الطفل في العناية بالصحة النفسية له وهو جنين :

فقد راعى الإسلام العناية بالصحة النفسية للجنين؛ وذلك عن طريق العناية بالصحة النفسية للأم الحامل بابتعادها عن المنغصات والمزعجات والصدمات النفسية؛ وقد أثبت الطب النفسي الحديث أن الحالة النفسية للأم في فترة حملها تؤثر سلبا أو إيجاباً على الجنين حسب حالتها النفسية!!!

 الحق الخامس: الحفاظ على الحق المالي للجنين :

فكان من مظاهر رعاية الإسلام لحقوق الطفل قبل ولادته الحفاظ على حقوقه المالية وهو ما يزال جنيناً في بطن أمه، فلقد أوقف الإسلام التركات التي يكون للجنين – لو فرض نزوله حياًّ – نصيب فيها، وذلك خشية تقسيم التركة بين الورثة الأحياء وضياع نصيبه فيها.

وقد ذكر الفقهاء صوراً لذلك تبين حرص الإسلام على وصول حق الجنين في التركة إليه كاملاً، ليس هنا مجالٌ لذكرها !!

العنصر الثالث: حقوق الطفل عند ولادته.

أيها المسلمون: وبعد أن عرفنا الحقوق الواجبة للطفل قبل ولادته؛ نأتي الآن لنعرف الحقوق الواجبة للطفل عند ولادته؛ حتى نطبقها عمليا في حياتنا الأسرية؛ وهذه الحقوق تتمثل فيما يلي:-

الحق الأول: إتباع السنة في استقبال المولود

وذلك بالتأذين والإقامة في أذنيه؛ وتحنيكه بالتمر؛ والدعاء له؛ وحلق رأسه؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:” وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ؛ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى”.(البخاري) .

الحق الثاني: العقيقة عنه.

فقد حث الشارع على العق عن المولود؛ فعن أُمِّ كُرْزٍ الْخُزَاعِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْعَقِيقَةِ : ” عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ “(الترمذي وحسنه)؛ والعقيقة شعيرة تشتمل على إظهار الفرح بنعمة الله بالولد الذي أنعم به على الوالدين، والشكر له بالتصدق بلحم هذه العقيقة. قال ابن القيم: “فالذبيحة عن الولد فيها معنى القربان والشكران والفداء والصدقة، وإطعام الطعام عند حوادث السرور العظام؛ شكراً لله وإظهاراً لنعمته التي هي غاية المقصود من النكاح، فإذا شُرع الإطعام للنكاح الذي هو وسيلة إلى حصول هذه النعمة؛ فلأن يُشرع عند الغاية المطلوبة أولى وأحرى”(تحفة المودود بأحكام المولود).

الحق الثالث: تسميته بأحب الأسماء

 لذلك حثنا صلى الله عليه وسلم على اختيار الاسم الحسن ، فكان إذا رأى اسماً قبيحاً غيره، فقد غير صلى الله عليه وسلم اسم عاصية وقال أنت جميلة، وسمى حرباً سلماً وسمى المضطجع المنبعث، وأرضاً يقال لها عفرة خضرة ، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، وبنو الزينة سماهم بني الرشدة، والعاصي سماه رسول الله مطيعاً، ولما رأى سهيل بن عمرو مقبلاً يوم صلح الحديبية قال سهل أمر كم وانتهى في مسيره إلى جبلين فسأل عن اسمهما فقال مخز وفاضح فعدل عنهما ولم يسلك بينهما. وروي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِرَجُلٍ: «مَا اسْمُكَ» ؟ قَالَ: جَمْرَةُ، قَالَ: «ابْنُ مَنْ؟» قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: «مِمَّنْ؟» قَالَ: مِنَ الْحِرْقَةِ، قَالَ: «أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟» ، قَالَ: بحِرَّةِ النَّارِ. قَالَ: «بِأَيِّهَا» ؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى، قَالَ عُمَرُ: «أَدْرِكْ أَهْلَكَ فَقَدِ احْتَرَقُوا» ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَ أَهْلَهُ قَدِ احْتَرَقُوا. (تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم)، وفي البخاري عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ:” أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ ، قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ”.

 الحق الرابع: الرضا بقسمة الله من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات:

 لقول الله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}( النحل: 58 ، 59 ) ، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم عنايته بالمرأة منذ الولادة فقد روى مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ -وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ” وفي ذلك من التربية والتوجيه لاقتلاع العادات الجاهلية ما لا يخفى.

الحق الخامس: حق الطفل في الرضاعة والحضانة.

وأفضل الرضاعة ما كانت حولين كاملين لقول الله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}. ولقد أثبتت البحوث العلمية والصحية أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نمواً طبيعياً سليماً من الوجهتين الصحية والنفسية؛ فلا تتركه الأم للخادمات والمربيات، وذلك لأن الأم مع رضاعة وليدها بالحليب ترضعه العطف والحنان الذي لا يملكه غيرها. قال الشاعر اللبناني ( أحمد تقي الدين ):

والأُم أَولى الوالـــــــــــــــدَيْن بوِلْـــــــــدِها…………..تَسقيه من دم قلبها الخفّاق

الأم مدرسةُ البـــــــــــــــــنينَ وحسبُهم…………..أن يغتدوا من ثديها المهراق

هي تُرضعُ الأجسامَ والأرواحَ ما………….في صدرها من صحة وخَلاق

فإذا هي انحّطتْ فنشءٌ خــــــاملٌ…………. وإذا ارتقتْ بشِّرْ بنشءٍ راقي

الطفلُ مثلُ الشمعِ لَدْنٌ فاْطبعي…………..يا أُمُّ فيه محاسنَ الأّخلاق

ومن هنا كانت حكمة الله سبحانه وتعالى في إرجاع موسى إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن قال الله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ}( القصص: 13)، ويرى العلماء أن الطفل يحس بالأمن كلما ألصقته الأم إلى صدرها؛ فسبحان الله ترضع ولدها وتأخذ عليه أجرا ؛ وصدق الله حيث يقول: { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي }( طه: 39).

ومن صور الحفاظ على حق الطفل في الرضاعة عدم تتابع الحمل؛ فإن ذلك يحرم الرضيع من حقه الشرعي الذي حدده الشارع الحكيم وهو عامان ؛ فضلاً عن أن ذلك يضعف الأم لأنها تكون بين حملٍ وإرضاع مما يضعف قوتها وقوة أبنائها .

فالعبرة ليست بكثرة الأولاد وأن نتركهم دون تعليم أو توجيه أو إنفاق عليهم فيكونوا عالة متشردين ؛ وإنما العبرة أن نبني جيلاً قوياً ناشئاً على تعاليم الإسلام السمحة ؛ فالعبرة بالكيف وليست بالكم ؛ والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير .

العنصر الرابع: حقوق الطفل بعد فطامه

أيها المسلمون: وبعد أن عرفنا الحقوق الواجبة للطفل عند ولادته؛ نأتي الآن لنعرف الحقوق الواجبة للطفل بعد فطامه؛ وفي بداية ممارسته لحياته الطفولية؛ حتى نطبقها عمليا في حياتنا الأسرية؛ وهذه الحقوق تتمثل فيما يلي:

الحق الأول: أن يعلمه والداه كتاب الله عز وجل:

 ثم ما يلزم من العلوم الضرورية الدينية والدنيوية ، فقد أخرج أبو داود عن سهل بن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا؟!”، فضلاً عن تكريم الله لصاحب القرآن وأبويه يوم القيامة على رؤوس الخلائق؛ فعَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لاَ يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا فَيَقُولانِ: بِمَا كُسِينَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ». (الحاكم وصححه )؛ وقد أدرك المسلمون السابقون أهمية التربية على القرآن فتسابقوا في هذا الميدان وتنافسوا، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: “حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر” ويقول سهل التستري: “مضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين.”

 الحق الثاني: ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال:

 فما يغذى به الأولاد ينبغي أن يكون حلالاً ، لأن أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء، “ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ” ( مسلم )، فيعود الطفل على أكل الحلال وكسب الحلال وإنفاق الحلال؛ لأن طعم الحرام مرٌّ ؛ وهذ قصة واقعية من أرض الواقع تؤيد هذا الكلام؛ فهذا رجل يعمل في إحدى مؤسسات الدولة؛ لكنه تعود على الرشوة وأكل الحرام؛ فما إن تقع يده على مخالفة ما حتى يحاول أن يضرب له بسهم منها ويأخذ عن ذلك رشوة من المواطنين وكأنه حقه الشرعي, فيجمع من خلال ذلك المال الحرام, لكنه المسكين كان له طفل كثير المرض ما أن يعافى من مرض حتى يسقط طريح الفراش مرة أخرى, وكأن الله يرسل إليه إنذارا لعله يقلع عن أكله أموال الناس بالباطل, استمر هذا الرجل على هذه الحال يأخذ من هنا ويمرض له ولده من هناك, حتى جاءت البشرى من عند الله حيث اشتكى حالة ابنه هذه لصديق له فكان خير صديق فنصحه بأن يقلع عن أخذ الرشوة كي يشافى ابنه, قبل هذه النصيحة وأصر على ألا يدخل على بيته فلسا من حرام, فاشترى لحما من خالص عمله وأدخله على بيته وحين تناوله ابنه تلفظ قائلا: يا أبي أول مرة في حياتي أتذوق لذة اللحم!!! ازدادت قناعته وإيمانه فتاب إلى الله توبة نصوحا فشفى الله ابنه من مرضه!!

الحق الثالث: أن يُعَوِّدَه على أداء العبادت في سنٍّ مبكرة:

 لقول الله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}( طه: 132) ، وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ” ، فيؤمر الصبي بالصلاة في سن السابعة وهي بداية مرحلة التعليم التي نبه إليها الإسلام ويؤخذ بالنصح والتوجيه إذا قصر في صلاته حتى سن العاشرة؛ فإن تهاون في هذه المرحلة جاز لوالده استخدام الضرب تأديباً له على ما فرط في جنب الله، ويشجع الطفل في هذه السن على صلاة الجماعة وحضور صلاة الجمعة والعيدين، ومن أنجح الوسائل في تحبيب الأطفال لصلاة الجماعة اصطحاب الأب لأبنائه لأداء صلاة الجماعة في المسجد.

كما ينبغي تدريبه على الصيام؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ قَالَتْ” كُنَّا نَصُومُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ”.  قال الحافظ ابن حجر معلقاً: ” وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم. والصوم من الوجهة التربوية يغرس في النفس البشرية حقيقة الإخلاص لله تعالى ومراقبته في السر وتقوية الإرادة وكبح جماح الشهوات، ويؤمر به الأطفال عند طاقتهم منذ السابعة وبالتدريج. “

الحق الرابع : الحق في اللعب والترفيه والرحمة:

فلابد للطفل أن يعيش طفولته؛ فكثير من الآباء – للأسف- يهملون هذا الحق؛ ويكلفون الأطفال بواجباتهم المدرسية والدروس اليومية كأنهم يعملون بالريموت كنترول أمرا ونهيا؛ متجاهلين حقهم في الترفيه والنزهة واللعب والمرح؛  وهذا الحق عامل تربوي فعال في تشكيل شخصية الإنسان في سنوات الطفولة؛ وإذا نظرنا إلى سيد الخلق أجمعين ومثلنا الأعلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نجد هذا الحق واضحا كالشمس فى دعوته؛ فعن عائشة قالت : “كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه ، فيسربهن إلي ، فيلعبن معي”( البخاري في الأدب المفرد)؛ والانقماع : الاختفاء حياء وهيبة؛ ويسربهن : يرسلهن واحدة بعد الأخرى. وأن الصحابة اقتداءً بالنبي وتقديرًا لأهمية اللعب التربوية كانوا يدفعون أطفالهم إلى اللعب ويشجعونهم عليه، وكان عروة ابن الزبير يقول لولده: يا بني العبوا فإن المروءة لا تكون إلا بعد اللعب!!

يقول الإمام الغزالي رحمه الله:” ينبغي أن يؤذن له للصبي بعد الانصراف من الكُتَّاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب؛ بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعليم دائماً يميت قلبه، ويبطل ذكاءه، وينغص له العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً.”

ولهذا نجد الشريعة في جميع التشريعات ترسخ مشاعر الرأفة والرحمة وتحضُّ الكبار من الآباء والأمهات عليها، فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل الرحمة حقا للصغار حتى يسلب ممن لا يرحم الصغار انتسابه الكامل للإسلام؛ فيقول صلى الله عليه وسلم ” لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا “(أحمد والترمذي).

وهذا أعرابي يتعجب من تقبيل النبي والصحابة للصبيان!! فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:” جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟!! فَمَا نُقَبِّلُهُمْ !! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ!!.”(البخاري).

الحق الخامس: العدل في العطية:

 فلا يفضل أحدا على أحد، ولا يميز الذكور على الإناث، والعدل بين الأولاد مطلوب في جميع الحالات سواء كان في العطاء أو في المحبة والقبلة ، أو في تقديم الهدايا والهبات والوصية أو في المعاملة، فإنه يلزم الوالدين معاملة أولادهم بالعدل والمساواة؛ وبهذا العدل يستقيم أمر الأسرة وتنشأ المحبة بين الجميع وتغرس الثقة بين أفراد الأسرة، فلا مكان للأحقاد والبغضاء عندئذ، فعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:” أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً؛ فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟! قَالَ: لَا. قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ. قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ”(متفق عليه)؛ قال ابن حجر:” في الحديث الندب إلى التآلف بين الإخوة وترك ما يوقع بينهم الشحناء أو يورث العقوق للآباء” ( فتح الباري).

الحق السادس : تخير الصحبة الصالحة لهم:

لأن الصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي؛ وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار، وحذر من صحبة الأشرار، وفي الحديث الصحيح: ” لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طعامك إلا تقي “. ( أبو داود وابن حبان والترمذي بسند حسن )؛ وفي تخير الأصحاب الصالحين للأبناء حماية لهم من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى. ولقد أحسن من قال:

واختر من الأصحاب كل مرشد ………… إن القرين بالقرين يقتدي

 فصحبة الأخيار للقلب دواء تزيد للقلب نشاطاً وقوى، وصحبة الأشرار داء وعمى تزيد للقلب السقيم سقماً.

أحبتي في الله:  هذه مجموعة من الحقوق الإسلامية، التي لو ربينا أولادنا عليها كانوا نعمة من الله علينا!!

وقد ضرب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنا المثل والقدوة في التربية، فعن ابن عباس قال كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا فقال:” يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ” ( أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح ).

وعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ:  كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ” فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. ( البخاري ).

العنصر الخامس: المسئولية عن الأولاد أمام الله يوم القيامة

أيها الآباء الفضلاء والأمهات الفضليات: اعلموا أنكم مسئولون أمام الله يوم القيامة عن أولادكم ، وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” ( متفق عليه) ” قال العلماء : الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه ، وما هو تحت نظره ، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه ، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته .” ( شرح النووي).

ويقول ابن القيم رحمه الله: قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة، قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً، فللابن على أبيه حق. وكما قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت: 8] ، ويقول أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] ، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم. فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً. كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال الولد: «يا أبت إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً، فأضعتك شيخاً».

أيها المسلمون: عليكم إصلاح أولادكم؛ والقيام عليهم؛ والصبر والتصبر في تعليمهم وتعويدهم على الطاعة؛ واحفظوهم من الضياع مع الشباب الفاسد الطائش؛ قال صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه “( الترمذي وابن حبان بسند صحيح).

أحبتي في الله: إن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد – منذ ولادتهم – وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وما أجمل عبارة : ” إن وراء كل رجل عظيم أبوين مربيين”، وكما يقول بعض أساتذة علم النفس : “أعطونا السنوات السبع الأولى للأبناء نعطيكم التشكيل الذي سيكون عليه الأبناء”. وكما قيل : “الرجال لا يولدون بل يُصنعون”. وكما قال الشاعر:    

وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنا ………….. على ما كان عَوَّدَهُ أبُوه

وإهمال تربية الأبناء جريمة يترتب عليها أَوْخَم العواقب على حد قول الشاعر:

إهمالُ تربية البنين جريمةٌ …………. عادت على الآباء بالنكبات

وأذكر قصة في جانب الإهمال: سرق رجل مالاً كثيرًا، وقُدّم للحد فطلب أمه، ولما جاءت دعاها ليقبلها، ثم عضها عضة شديدة، فقيل له ما حملك على ما صنعت؟ قال: سرقت بيضة وأنا صغير، فشجعتني وأقرتني على الجريمة حتى أفضت بي إلى ما أنا عليه الآن!!!

أيها المسلمون: إن صلاح أولادنا أن نغرس فيهم منهج نبينا في جميع شئون الحياة، وذلك بتعليمهم آداب الصلاة والصوم والاستئذان ودخول البت وخروجه، وآداب الطعام والشراب، واحترام الكبير وتوقيره وغير ذلك من الآداب التي حثتا عليها الشارع الحكيم.

   الدعاء،،،،،                 وأقم الصلاة،،،،،                                                     كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

 د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »